Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
جمـــعية المجـــاز المعطـــل بآسفــي
1 janvier 2007

آسفي كقطعة خزف تصنعه

جنبات الطريق المؤدية إليها تبدو عارية من أي شيء يدل على رحيل الجفاف! صخور صلداء موزعة على الحقول الثكلى! وأطفال بائسون مثلنا يلوحون بأيديهم المتسخة في اتجاه حافلتنا الغريبة!

فكم هو عجيب أمر هذا السائق.. إنه لا يأبه برجال الحال أصحاب الزي الرسمي المرابطين بمداخل ومخارج المدن.. إنه لا يقف حتى لتحيتهم, و"كريسونه" أيضا لا يتودد إليهم بابتساماته المعهودة! إنه مشغول بحساب "الفلوس" والصراخ في كل محطة "باقا بلاصة.. باقا بلاصة".

فما الذي حدث؟ هل تم القضاء على الرشوة؟ وبالتالي امحت جميع آثارها من طرقنا الرئيسية والثانوية؟ وضياعا في زحام البحث عن إجابات شافية لهذا الجاري حولي, بقيت أرقب من نافذة "الإغاثة" الحقول المفجوعة وهي تفر هاربة إلى الوراء, إلىأن قال "الكريسون" بصوته الجهوري.. "المحكمة.. المحكمة..." معلنا وصولنا بسلام إلى مدينة الخزف والفخار! يا لعبث الأقدار.. أول ما يواجهني في هذه المدينة هو محكمة الاستئناف وأنا الهارب من الرباط من حكم إبتدائي! العدالة إذن في استقبال زوار مدينة آسفي.. العدالة المبحوث عنها منذ غابر الأزمان هي أول ما يسمعه ويراه القادمون إليها. أما الحكمة من ذلك فلا يعلمها إلا من قادته الظروف إلى تلك الأحياء المغموسة في خل الفقر..كاوكي.. وسيدي عبد الكريم.. والسوق الخانز ودروب المدينة القديمة وغيرها من أحياء الهامش.. كلها تحكي عن "عدالة الدخلة" وظلم الأيام!

آسفي كقطعة خزف أو فخار تصنعه! مرشحة دوما للكسر رغم كل الجمال الكائن فيها.. مرشحة للموت رغم نضارتها التائهة.. إنها مدينة تبكي حظها التعس الذي أوصلها إلى ما هي فيه اللحظة من إجرام وتسول ودعارة واختناق.. فالبحر امتنع عن جزل العطاء, وشهيته فتحت عن آخرها فقط لالتهام "أولاد البلاد".. والسفك بدمائهم عن طريقة "الفودكا" المسمومة المستوردة من دنيا الدب الروسي المأزوم... مدينة غارقة في حزنها.. هي آسفي تعزف من حين لآخر موسيقاها الباذخة لكل الباحثين في أغوارها عن لا شيء..من تل الخزف ومداخنه السوداء إلى الميناء المهموم فبرج البحر المهجور, في جميع هذه الأماكن التي ينبعث منها عبق تاريخي فواح لا حديث إلا عن الإنقاد والانكسار الهادر..ومن أعلى أسوار المدينة القديمة يتلألأ ضياء السفن المهاجرة, وهي تحمل ذكرى مدينة تحيا بالكاد على رصيف زمن لم يعترف بها!

في "الكاوكي" تبدو الحياة أكثر وحشة وفقرا.. الضياع يغلف المكان من جميع الجهات, الحاجة تنخر الأجساد المعتوهة وتسافر بها نحو مدارج الموت البعيدة. وفي "البلاطو" – مركز المدينة - تتبادل فتيات شقراوات تحاياهن, وتضربن المواعيد مع شباب يمتطي صهوة "الحديد" المستورد! وبشارع الزرقطوني – الشهيد - تصطف أخريات باهتات فاقدات للأنوثة تعرضن خدماتهن بأبخس الأثمان!!

هكذا هي آسفي تحتضن الشيء وتفيضه في نفس الفضاء وكأنها تود من خلال ذلك فضح ما يقع لها! فبسمة اليأس لا تفارق محياها! إنها مدينة تعبر عن أسف التاريخ الذي أهملها.. ولذلك سميت "آسفي".. هذا ما أخبرني به أحد أبنائها الكرام, والذي التقيته صدفة عند الجرف المهجور, راميا صنارته في عمق "المحيط" علها تصطاد سمكة طائشة يطفئ بها نار الجوع!!

"لقد طردت المواد الكيماوية السمك من ساحل آسفي" أرسلته إلى الجحيم وجعلت أهل المدينة يلعنون البحر وما أقيم على شطه من مركبات صناعية تخنقهم وتمنع عنهم الهواء النقي!

أسفي (من الأسف) إذن على الماضي الغادر... والراهن المنسي.. وتاريخ الغد المجهول.. وأسفي أيضا على مدينة كقطعة خزف تصنعه بالطين والنار, لأنها وبكل صراحة معرضة للانكسار والتفتت!

مجلة الفوانيس مجلة إلكترونية تعنى بالأدب العربي

Publicité
Publicité
Commentaires
Publicité
Archives
Publicité